لماذا الدعاء ؟!
لا يوجد مؤمن إلا ويعلم أن النافع الضار هو الله سبحانه ،
وأنه تعالى يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ويرزق من يشاء بغير
حساب ،وأن خزائن كل شيء بيده ، وأنه تعالى لو أراد نفع عبد فلن
يضره أحد ولو تمالأ أهل الأرض كلهم عليه ، وأنه لو أراد الضر
بعبد لما نفعه أهل الأرض ولو كانوا معه . لا يوجد مؤمن
إلا وهو يؤمن بهذا كله ؛ لأن من شك في شيء
من ذلك فليس بمؤمن ، قال الله تعالى :
"وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ
فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"
[ يونس : 107] .
نعم والله لا ينفع ولا يضر إلا الله تعالى
{ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53]
{ وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67]
سقطت كل الآلهة ، وتلاشت كل المعبودات وما بقي إلا الله تعالى
{ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ }[ الإسراء : 67]
{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } [الفتح :11]
لا يسمع دعاء الغريق في لجة البحر إلا الله . ولا يسمع تضرع
الساجد في خلوته إلا . ولا يسمع نجوى الموتور المظلوم وعبرته
تتردد في صدره ، وصوته يتحشرج في جوفه إلا الله .
ولا يرى عبرة الخاشع في زاويته والليل قد أسدل ستاره إلا الله
{وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
{7} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى }
[طه:8]
يغضب إذا لم يُسأل ، ويحب كثرة الإلحاح والتضرع ،
ويحب دعوة المضطر إذا دعاه ، ويكشف كرب المكروب إذا سأله
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء
الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }[النمل:62] .
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى
ثلث الليل الآخر فيق*********************************************** ******ول :
من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟
من يستغفرني فأغفر له ؟))
[ رواه البخاري 7494 ومسلم 758]
الله أكبر ، فضل عظيم ، وثواب جزيل من رب رحيم ،
فهل يليق بعد هذا أن يسأل السائلون سواه ؟
وأن يلوذ اللائذون بغير حماه ؟ وأن يطلب العبادُ حاجاتهم من غيره ؟
أيسألون عبيداً مثلهم ، ويتركون خالقهم ؟! أيلجأون إلى ضعفاء عاجزين ،
ويتحولون عن القوي القاهر القادر ؟! هذا لا يليق بمن
تشرف بالعبودية لله تعالى ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته ،
ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل ))
[ رواه أبو داود 1645والترمذي وصححه 2326 ] .
فضل الدعاء
إن الدعاء من أجلِّ العبادات ؛ بل هو العبادة كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم ؛ ذلك لأن فيه من ذلِّ السؤال ، وذلِّ الحاجة والافتقار
لله تعالى والتضرع له ، والانكسار بين يديه ، ما يظهر حقيقة العبودية لله تعالى ؛
ولذلك كان أكرم شيء على الله تعالى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام
(( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ))
[ رواه الترمذي وحسنه 3370 وابن ماجه 3829] .
وإذا دعا العبد ربه فربه أقربُ إليه من نفسه
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
[ البقرة : 186] ،
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
(( في ذكره تعال********ى هذه الآية الباعثة
على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في
الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر كما روى ابن ماج**********ه
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إن للصائم عند فطره دعوةً ما ترد ))
[رواه ابن ماجه 1753 ،وانظر تفسير ابن كثير 1/ 328 ]
دعوةٌ عند الفطر ما ترد ، ودعاء في ثلث الآخر مستجاب ،
وليلةٌ خير من ألف شهر ، فالدعاء فيها خير من الدعاء في ألف شهر .
ما أعظمه من فضل ! وأجزله من عطاء ف****************ي ليالٍ معدودات .
فمن يملك نفسه وشهوته ، ويستزيد من الخيرات ، وينافس
في الطاعات ، ويكثرُ التضرع والدعاء .
ليالي الدعاء
نحن نعيش أفضل الليالي ،
ليالٍ تعظُم فيها الهبات ،
وتنزل الرحمات ،
وتقال العثرات ، وترفع الدرجات .
فهل يعقل أن تقضى تلك الليالي في مجالس الجهل والزور ،
وربُ العالمين ينزل فيها ليقضي الحوائج . يطلع على المصلين
في محاريبهم ، قانتين خاشعين ، مستغفرين سائلين داعين مخلصين،
يُلحون في المسألة ، ويرددون دعاءهم : ربنا ربنا . لانت قلوبهم
من سماع القرآن ، واشرأبت نفوسهم إلى لقاء الملك العلام ،
واغرورقت عيونهم من خشية الرحمن . فه****************ل هؤلاء
أقرب إلى رحمة الله وأجدر بعطاياه أم قوم قضوا ليلهم فيما حرم الله ،
وغفلوا عن دعائه وسؤاله؟ كم يخسرون زمن الأرباح ؟ وساء ما عملوا ؟
ما أضعف هممهم ، وما أحط نفوسهم ، لا يستطيعون الصبر ليالي معدودات !!
من يستثمر زمن الربح ؟!
هذا زمن الربح ، وفي تلك الليالي تقضى الحوائج ؛ فعلق
–أخي المسلم – حوائجك بالله العظيم ، فالدعاء من أجل العبادات وأشرفها ،
والله لا يخيب من دعاه قال سبحانه :
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
[ غافر : 60]
وقال تعالى :
{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {55}
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً
وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}
[ الأعراف :56] .
العلاقة بين الصيام والدعاء
آيات الصيام جاء عقبها ذكرُ الدعاء
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
[ البقرة : 186]
قال بعض المفسرين : (( وفي هذه الآية إيماءٌ إل*********ى أن الصائم
مرجو الإجابة ، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دع*************واته ،
وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان ))
[ التحرير والتنوير 2/179]
والله تعالى يغضب إذا لم يسأل قال النبي عليه الصلاة والسلام
(( من لم يسأل الله يغضب عليه ))
[ رواه أحمد 2/442 والترمذي 3373 ] .
الله تعالى أغنى وأكرم
مهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر ،
عن أب*************ي سعيد رضي الله عنه
أن النبي عليه الصلاة والسلام ق*************************************ال :
(( ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة
رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته ،
وإما أن يدخرها له في الآخرة،وإما أن يصرف عنه من
السوء مثلها . قالوا : إذاً نكثر ، قال : الله أكثر ))
[ رواه أحمد 3/18].
والدعاء يرد القضاء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام
(( لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ))
[ رواه الترمذي وحسنه 2139 والحاكم وصححه 1/493] .
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام :
(( الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء ))
[ رواه أحمد 5/234 والحاكم 1/493]
فالله تعالى أكثر إجابة ، وأكثر عطاءً .
المشرف العام : رومنسي بعطر فرنسي